مراجعة لرواية عائد الى حيفا – غسّان كَنَفاني

Deheishe 3

عائد الى حيفا .. قرأت أول فصلين منذ مدة طويلة، لكنني ظللت أتجاهلها دون أي سبب. كانت ترافقني أينما ذهبت وكان لها مكان خاص في محفظتي الى جانب الكتب الدراسية، فقد كانت تعطيني شعورا غريبا بالأمان!
استخرجتها اليوم من محفظتي، قطعت اتصالي بالعالم الخارجي وشرعت في التهام الصفحات الواحدة تلو الأخرى، وكان لطي كل صفحة شعور بأن أحدا ما يصفعني على وجهي بكل ما أوتي من قوة.
كل فصول الرواية تعتبر تمهيدا للحوار الصادم الذي سيجري بين سعيد وابنه خلدون أو (دوف كما سمياه والداه اليهوديان بعد تبنيه) الذي تخلى عنه بعد اجلاء الفلسطينيين من حيفا ..
الخطأ الذي ارتكبه سعيد وزوجته صفية ــ وهو الخطأ الذي نرتكبه نحن الآن ــ أنهما عاشا طوال عشرين سنة وهم غارقون في الماضي، وهذا ما جسده رد فعلهما حين عادا لبيتهما أول مرة بعد هذه المدة كيف أحدثت فيهما التفاصيل التافهة كشوارع المدينة، ريشات الطاووس ولون الستائر وخربشات قلم الرصاص في الباب… حزنا عميقا وكيف ألهتهم وشغلت تفكيرهم عوض التفكير في طريق للعودة !
فقد استنتجا بعد فوات الأوان أن الوطن هو المستقبل، فالدموع التي تجري على الخدود مجرى السيول حزنا، والمداد الذي يُسَالُ من أجل كتابة قصائد رثائا، … انما هو فعل يقوم به الجبناء. فالدموع لا تسترد الأراضي المغتصبة ولا الأحباب الذي قضوا نحبهم.
ومن أكثر ما أعجبني هو ما قاله في النهاية للبولونية التي سكنت منزلهما بكل ثقة بعد أن فهم كل شيء: “تستطيعان البقاء مؤقتا في بيتنا، فذلك يحتاج تسويته الى حرب”

قياسي