اليوم العالمي للغة العربية !

شاءت الأقدار أن يصادف اليوم العالمي للغة العربية قراءتي لكتاب “تراثنا الفكري” الذي كان خير الصديق وخير الصاحب في الأيام الأخيرة للامام العظيم محمد الغزالي، وتحديدا الفصل الأخير منه المخصص للحديث عن لغة الضاد.
الغزالي تكلم عن الغزو الثقافي الذي اعتبره امتدادا للحملات الصليبية في القرون الماضية، لكنه أشد خطرا لأنه يهدف لمحو شخصيتنا وذلك بالاجهاز على اللغة والدين !
فالأمة التي تفقد لغتها كالفتاة التي تفقد عرضها وشرفها فتصير عالة على المجتمع…
وأشار الى استعانة مصر آنذاك بالعديد من المستشرقين الألمان والانجليز الذين تم تعيينهم على رأس العديد من المؤسسات الثقافية والذين كانوا أول من نادى لاعتماد اللغة العامية وألفوا كتبا عن هذا الهراء. وقد وصلت الينا هذه الروائح الكريهة بعد أن حملتها الرياح من أرض الكنانة وطالب أحدهم بتعليم الأطفال في المغرب بالدارجة عوض العربية … لكن سرعان ما تراجعت وتيرة انتشار مثل هذه الأطروحات في بلادنا التي تعتبر رمزا من رموز الانحطاط. (حفظ الله هذا الوطن من مكر هؤلاء)
قبل أكثر من قرن وتحديدا عام 1903، نشر الشاعر المصري حافظ ابراهيم قصيدة تنبأ فيها بكل هذه الويلات المعاشة في زماننا ويدعو هذه الشعوب النائمة الى الاتيان فقط باسماء لاختراعات الغرب نتداولها بيننا عوض اللجوء الى أسمائها الأصلية بالفرنسية أو الانجليزية، وكأنه علم جيدا أننا سنبدأ من هناك وننتهي الى التكلم بلغات أجنبية كما يفعل بعض “المثقفين والفنانين” حين تتم استضافتهم في الاعلام، ليقول الشيخ الهرم الذي يحاول أن يستبين اللغة التي يتكلمها هؤلاء القوم الى حفيده وهما يشاهدان التلفاز: تعلم الفرنسية حتى تصير مثقفا .. تماما كتلك الممثلة وكذلك الصحفي !
أترككم مع الأبيات
رَمَوْني بعُقْم في الشباب وليتني ** عقمتُ فلم أجزع لقول عداتي
وَلَدتُ، ولما لم أجد لعرائسي ** رجالاً وأكفاء وَأَدْتُ بناتي
وَسِعتُ كتاب الله لفظا وغايةً ** وما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةٍ ** وتنسيق أسماء لمخترعات؟
فيا وَيْحَكم أَبْلَى وَتَبْلَى محاسني ** ومنكم وان عزّ الدواء أُساتي
أرى لرجال الغرب عِزًّا ومَنْعةً ** وكم عزّ أقوام بعِزِّ لغات
أتوا أهلهم بالمعجزات تفنُّنا ** فياليتكم تأتون بالكلمات !
أرى كل يوم بالجرائد مَزْلَقًا ** من القبر يدنيني بغير أناة
أيهجرني قومي عفا الله عنهمُ ** الى لغة لم تتصل برواة؟
سَرَتْ لوثة الافرنج فيها كما سرى ** لعاب الأفاعي في مسيل فُرات
فجاءت كثوب ضمّ سبعين رقعة ** مُشَكَّلَةَ الألوان مختلفات
الى معشر الكتاب والجمع حافل ** بسطتُ رجائي بعد بسط شَكاتي
فإما الحياة تبعث الميْت في البِلَى ** وتُنبت في تلك الرُّموس رُفاتي
واما ممات لا قيامة بعده ** مماتٌ لَعَمْرِي لم يُقَس بممات
لله الأمر من قبل ومن بعد …

قياسي

أضف تعليق